الاتحاد السوفييتي هو اتحاد الجمهوريين الشيوعيين وقد كان قوة عظمى، ففي نزاعه
مع الولايات المتحدة.. انقسم العالم إلى عالمين
لكنه اختفى في غياهب التاريخ لي أوائل التسعينات
انهياره كان مفاجأة لم يكن أحد يتوقع حصولها بتلك السرعة
ماهي ظروف إنشاء الاتحاد السوفياتي وما الأسباب التي أدت
لانهياره وهل سنشهد عودة الاتحاد
السوفييتي بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا؟
كل هذه التفاصيل وأكثر سنناقشها في مقال اليوم
التأسيس والتوسع
تأسس الاتحاد السوفياتي إثر نجاح ثورة فريق البلاشفة (والبلشفيك تعني
بالروسية "الأغلبية") في "حزب
العمال الاشتراكي الديمقراطي" بقيادة فلاديمير لينين ليلة 25 أكتوبر/تشرين الأول عام 1917 على الحكم
القيصري في روسيا الذي أدخل البلاد في أزمات طاحنة بسبب انخراطه في الحرب العالمية
الأولى.
طبق البلاشفة إصلاحات أبرزها الفصل بين الكنيسة والدولة وتأميم المصانع،
ورقابة العمال على المنشآت الصناعية، وهو ما أثار معارضة قوية في البلاد ، فدخلت
البلاد في حرب أهلية دامت خمس سنوات (1917-1922)، حسمها البلاشفة لصالحهم بقوة الحديد
والنار عبر أجهزة الأمن السياسي وكتائب "الجيش الأحمر".
وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 1922 أعلِن قيام "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية" بقرار من
مجالس السوفيات في كل من: جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية،
وجمهورية أوكرانيا، وجمهورية بيلاروسيا، و جمهورية ما وراء القوقاز.
في 1922 اختيرت
موسكو عاصمة للاتحاد
وتبنت الجمهوريات الأربع دستوراً موحداً عام 1924.
وفي العام نفسه بدأ الاعتراف الدولي بالاتحاد السوفياتي، فكانت بريطانيا سباقة
إلى ذلك وتبعتها إيطاليا وفرنسا، بينما لم تعترف به أميركا إلا عام 1933.
وفي سبتمبر/أيلول 1934 انضم الاتحاد إلى
هيئة "عصبة
الأمم" التي حلت
محلها في 1945
منظمة الأمم المتحدة، وأصبح الاتحاد إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس
الأمن التابع للمنظمة، مع امتلاك الاتحاد لحق النقض (الفيتو).
وخلال 1924-1940
ضُمت إلى الاتحاد السوفياتي جمهوريات أوزبكستان وتركمانستان (1924)،
وطاجكستان (1929)،
وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان (1936)، وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومولدافيا (1940).
توفي لينين عام 1924 فأصبح جوزيف ستالين -الذي صار أمينا
عاما للحزب الشيوعي في 1922- خليفته في السلطة، ودخل في صراع شرس
للتفرد بها مع مناوئيه من الرفقاء بقيادة ليون تروتسكي، واستطاع حسم الصراع لصالحه
بدءا من 1927 بالقضاء
على خصومه عبر ما عُرف بـ"المحاكمات الكبرى".
أصدر ستالين دستورا جديدا مارس بواسطته دكتاتورية مطلقة في الحكم، واتسمت
سياسته في هذه المرحلة بترسيخ منهج الخطط الخمسية، والتركيز أكثر على "التخطيط
الاقتصادي"، وإلغاء
القطاع الخاص بالكامل، وفرض الشيوعية في مختلف أقاليم الاتحاد.
كما شهدت هذه الفترة تطهيرا عرقيا عانت منه شعوب الجمهوريات والمناطق
الإسلامية في القوقاز وتركستان وتترستان، وذلك بقتل مئات الآلاف منهم لأسباب
مختلفة، وتهجير خمسة ملايين من المسلمين بصورة إجبارية من بلدانهم، وإحلال
المواطنين الروس محلهم (حوالي 12 مليون روسي).
هذا إضافة إلى الحرب الثقافية التي منعوا بسببها من ممارسة دينهم (غلق أو هدم 10 آلاف مسجد بدءا
من 1929)، وتعلم
ثقافتهم الإسلامية (إغلاق 14 ألف مدرسة إسلامية)، وألغيت المحاكم
الشرعية في المناطق الإسلامية الخاضعة للاتحاد سنة 1926، ومُنعت الكتابة
بالحرف العربي بدءا من 1929، وفُرضت على المسلمين اللغة الروسية والأيديولوجيا
الشيوعية.
هيمنة الاتحاد السوفييتي و
الحروب في عهده:
رغم أن الاتحاد السوفياتي سعى عمليا لتطوير علاقاته السياسية والاقتصادية مع
ألمانيا بقيادة أدولف هتلر فوقعت معه معاهدة عدم اعتداء في أغسطس/آب 1939 فإن ذلك لم يمنع
الزعيم الألماني من غزو الاتحاد السوفياتي مساء 21 يونيو/حزيران 1941، في إطار سعيه
لكسب الحرب العالمية الثانية التي كان نظام الاتحاد السوفياتي يسميها "الحرب
الوطنية العظمى".
ألحق الغزو الألماني خسائر كارثية بالاتحاد خاصة أنه تحمل عبء الجبهة الشرقية
من الحرب طوال أربع سنوات، لكن ميزان القوة بدأ يميل لصالحه بدءا من انتصاره على
الجيش الألماني في معركة ستالينغراد الحاسمة في فبراير/شباط 1943، ومرورا بتحرير
جميع أراضي الاتحاد المحتلة في صيف 1944، وانتهاء باحتلال الجيش الأحمر السوفياتي
برلين يوم 2 مايو/أيار 1945.
ومع انتصار الاتحاد السوفياتي في هذه الحرب فإن خسائره المادية والبشرية كانت
ضخمة بكل المقاييس، إذ فقد أكثر من 10% من سكانه، و70٪ من منشآته
الصناعية، و50٪ من
ممتلكاته العقارية.
لكنه استفاد من تحالفه خلال الحرب مع الولايات المتحدة وبريطانيا في تعميق
روابطه بهما، وتجلى ذلك في عقد رؤساء البلدان الثلاثة مؤتمر يالطا (فبراير/شباط 1945)، واتفاقهم على
تنظيم سياسة العالم بعد انتهاء الحرب العالمية.
إلا أن هذا التقارب سرعان ما حلت مكانه هواجس الريبة ثم التنافس والصراع،
وباجتياح الجيش الأحمر لبراغ (عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقا) يوم 28 فبراير/شباط 1948 وبقية دول أوروبا
الشرقية وتأسيس أنظمة شيوعية تابعة له فيها، أنهى الاتحاد السوفياتي بالكامل
تحالفه مع الغرب ودشن مرحلة "الحرب الباردة" معه.
وفي 1949 صنع
الاتحاد أول قنبلة ذرية وأنشأ منظمة "الكوميكون" الاقتصادية
لتوطيد سيطرته على الدول الاشتراكية، ردا على مشروع مارشال الأميركي لدعم اقتصادات
دول أوروبا الغربية التي دمرتها الحرب.
بعد وفاة ستالين عام 1953، تولى السلطة نيكيتا خروتشوف فكشف الفظائع التي
ارتكبت طوال حكم ستالين وأقصى كل المحسوبين عليه، لكنه حافظ على مكانة الاتحاد
السوفياتي الدولية، فعزز هيمنته العالمية حتى صار قطبا موازيا لأميركا في إطار
حربهما الباردة، خاصة بعد إنشائه حلف وارسو العسكري الاشتراكي (1955) ليماثل
حلف الناتو، وغزوه الفضاء لأول مرة عام 1957.
لكن ذلك لم يمنع خروتشوف من إعلان تبنيه سياسة التعايش السلمي الدولي 1954، رغم أن
العلاقات مع الغرب وخاصة زعيمته واشنطن ظلت تتوتر بين الفينة والأخرى، مراوحة بين
الانفراج وحافة الهاوية التي وصل إليها البلدان مطلع الستينيات باندلاع أزمة نصب
الاتحاد السوفياتي صواريخ بالستية في كوبا قبالة الحدود الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 1962.
اتخذ أعضاء مجلس الرئاسة السوفياتي قرارا في أكتوبر/تشرين الأول 1964 بعزل خروتشوف عن
الرئاسة، وعينوا مكانه ليونيد بريجنيف الذي شهد عهده تحسنا في العلاقات مع أميركا
أدى إلى توقيع البلدين "معاهدة سالت 1" عام 1972 للحد من الأسلحة
النووية، كما عرف تزايدا للنفوذ السوفياتي بأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتم خلاله
الغزو السوفياتي لأفغانستان نهاية 1979.
توفي بريجنيف في أكتوبر/تشرين الأول 1982 فخلفه الرئيسُ
السابق لجهاز المخابرات السوفياتية (KGB) يوري أندروبوف ،
لكنه لم يعمر طويلا في السلطة إذ توفي في فبراير/شباط 1984، وحل محله
قسطنطين تشيرنينكو لكنه أيضا توفي سريعا في مارس/آذار 1985.
بعد تشيرنينكو جاء ميخائيل غورباتشوف إلى سدة الحكم، فوجد البلاد تئن تحت وطأة
عقود من الركود الاقتصادي، بسبب التراجع المستمر لمعدلات النمو والفاعلية
الإنتاجية، وتكاليف الحرب الباردة، وبرامج سباق التسلح مع الأميركيين، وخسائر
الاستنزاف الحربي جراء التورط في المستنقع الأفغاني، وأزمة الحريات المستعصية في
داخل الاتحاد.
أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي
أعلن غورباتشوف انتهاجه سياسة "الغلاسنوس" أي العلانية
والشفافية في إدارة البلاد، وقدم خطة لإصلاح الأوضاع سماها "البريسترويكا" (إعادة
البناء)، وتتضمن
خطوطُها العريضة الاهتمامَ بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتحول إلى اقتصاد السوق،
وإلغاء احتكار الحزب الشيوعي للسلطة وحظر التعددية الحزبية، وزيادة استقلالية
المؤسسات المحلية، وإبعاد العلاقات الدولية عن العسكرة.
لم يستطع غورباتشوف تطبيق خطته كما ينبغي، بل واجهته بدءا من عام 1989 مشكلات اقتصادية
كبيرة في الإنتاج والتوزيع، واضطرابات قومية في مختلف الجمهوريات السوفياتية،
وأحداث عالمية حاسمة مثل انهيار جدار برلين وخروج دول أوروبا الشرقية من عباءة
الشيوعية.
فاقمت هذه القضايا وغيرها النقمة على سياسات غورباتشوف من أوساط داخلية عديدة،
وهو ما تجسد في انقلاب عسكري عليه نفذه يوم 19 أغسطس/آب 1991 رفاق له عُرفوا
بـ"لجنة
الدولة للطوارئ"
بحجة إنقاذ البلاد من الانهيار بعد "فقدان غورباتشوف الأهلية لقيادة البلاد"، لكن
رئيس جمهورية روسيا الاتحادية بوريس يلتسن تصدى للانقلابيين فأفشل مخططهم واعتقلوا
جميعا.
عاد غورباتشوف يوم 22 أغسطس/آب 1991 إلى رئاسة البلاد، وفي اليوم الموالي قدم استقالته من
رئاسة الحزب الشيوعي مما جعل البرلمان السوفياتي يصوت في 29 أغسطس/آب 1991 على إيقاف عمل
الحزب وإغلاق مقاره.
أدت هذه الأحداث إلى تحريك النزوع القومي في الجمهوريات السوفياتية إلى
الاستقلال، فلم يمر شهران حتى اكتمل استقلالها جميعا عن الاتحاد السوفياتي، وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1991 أعلن انتهاء هذا
الاتحاد بالكامل ودخوله في ذمة التاريخ، لتنتهي بذلك حقبة الحرب الباردة في السياسة
الدولية، وتزول الثنائية القطبية في الهيمنة العالمية.
انتهى وجود الاتحاد السوفيتي رسميا كدولة في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1991. ونتيجة
لذلك تقلصت مساحة روسيا (الدولة الوريثة للاتحاد السوفيتي) بنسبة 24 بالمائة (من 22,4 إلى 17 مليون كيلومتر
مربع)، وانخفض
عدد السكان بنسبة 49 بالمائة (من 290 إلى 148 مليون نسمة). وبدأ تاريخ روسيا الحديث من يوم 12 يونيو/حزيران عام 1991، حيث أعلنت
روسيا في هذا اليوم استقلالها على غرار ما أعلنته الجمهوريات السوفيتية الأخرى.
وانتخب بوريس يلتسين كأول رئيس
لروسيا، حيث بقي في هذا المنصب لغاية تنازله عنه في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1999.
بعد تنازل يلتسين، أصبح فلاديمير بوتين يمارس مهام رئيس الدولة مؤقتا إلى أن
انتخب في شهر مارس/آذار 2000 رئيسا لروسيا حيث شغل هذا المنصب مدة فترتين انتهتا
عام 2008. وبعد
انتهاء الفترة الدستورية لرئاسة بوتين انتخب دميتري مدفيديف عام 2008 رئيسا للبلاد
لمدة أربع سنوات، وخلال هذه الفترة شغل بوتين منصب رئيس الوزراء.
في شهر مارس/آذار عام 2012 أعيد انتخاب بوتين رئيسا لروسيا لمدة 6 سنوات بدلا من 4 بموجب التعديلات
التي أدخلت على دستور الدولة، وتم إعادة انتخابه مجددا في 2018.
بوتين الرئيس الروسي الحالم الطامح يعيد إحياء مجد الاتحاد السوفيتي السابق في
نظر مؤيديه، بينما هو في نظر معارضيه مجرد زعيم يقود روسيا مستغلا الثروة النفطية
لتحقيق إنجازات يرون معظمها مجرد دعاية سوفيتية قديمة، لكن الأرقام لا تكذب وحقق بوتين
أهدافا حقيقية.
على الساحة الدولية، عمل بوتين الذي وصف تفكك الاتحاد السوفيتي بأنه "أكبر
كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، على ترميم هيبة روسيا في العالم بعدما
تدهورت مع سقوط الاتحاد السوفيتي وسنوات الفوضى في عهد يلتسين، بحسب وكالة "فرانس 24".
ولتحقيق ذلك، يتبع نهجا قوامه الصراع الدؤوب والمتعنت والبحث عن مؤشرات الضعف
لدى خصمه، وفق ما أوضح بنفسه عام 2013 ردا على روسي طلب منه بذل كل ما بوسعه من أجل "اللحاق (بأمريكا) وتخطيها".
هل سيعود الاتحاد السوفياتي بعد
حربه على اوكرانيا و كيف سيُؤثر الهجوم الروسي على العالم